سعداء ولكن لا تعلمون

غرفة صغيرة مظلمة .. تلفاز مكتوم الصوت

قرآن يتلى .. وجسد يتأوه على ذاك السرير الأبيض

لا يعرف الألم .. إلا من يكابده كل يوم

ولا يعرف السعادة .. إلا من تحدى الكون بأكمله واجترها من أعماق روحه

!

يندى صوته في أذني: لماذا الحزن؟ أنتم سعداء ولكن لا تعلمون

!

كيف لعشرات السنين أن تضحك وهي تخط بآلامها الشيب على مفرق رأسه؟

كيف لساعات الزمن أن تعيد سنوات من الحب والصحة والشباب

عقبتها سنوات من الجسد المشلول والقلب المكلوم؟

كيف للحب أن يصنع أعجوبة من الشوق والوفاء؟ وكيف للفراق أن يضع

حكمة من الرضا واليقين؟

..

تتخبط الأقدام على ثرى كلماته الواثقة

أتذكر ليال أزهرت بالأحلام فانهارت على حافة مكللة بالشوك

وتفاجئني دورة الحياة .. وأفقد أحبابا بلحظة

والليل مظلم طويل .. واللقاء بعده مستحيل

والقلب معلق بين رفوف الذكرى .. مكفن بأوردة السماء

!

أرعى الأمنيات على سطح لا يعرف الثبات

أسبل الدمع على أستار الغرف .. وأنين الوسائد .. وسجادة دعائي

وثوب أبيض تلفع بالحنين

!

لم أكن أعلم أن الأشواق لهب أحمر يتنزل على صفحات الخدود

لم أكن أعلم أن الدفاتر تذبل بين ايدينا وقد جفت الأحبار

لم أكن أعلم أن الرحيل أقرب من الكفوف الممدودة

وأن الموت طائر يتخطف الأرواح الطيبة بغمضة عين

!

ولم أكن أعلم .. أن البياض يصعد بدعائنا.. فيهبط النور

!

هل تبعثرهم أشواقنا فيلملمون لنا قبسا من النقاء؟

هل تصلهم آلامنا فيبعثون لنا شيئا من ضحة الروح؟

هل نبكيهم ليلا .. لتكفكف أحزاننا أصابع الشمس

لتشرق بالفرح صفحة أخرى في صباح جديد

!

حكمة في الحياة لم أدركها إلا بعد حين

" لا تحاول كشف سر القدر ، ولكن تعلم من حكمة القدر"

كم من الأشياء التي تعلقنا بها فغادرتنا بعد زمن

رحلت لتعلمنا أن الجهات أربع ، فمتى ماضاقت بك جهة لتسلك جهة أخرى

وكم هي الأحلام التي ولدت معنا ، عاشت بين جنبات قلوبنا

كبرنا ونحن نشيد لها القصور ، ونحيك بها آلاف القصص

فيأتينا القدر بقصة أخرى .. وأبطالا مختلفين

وكم هي الصباحات التي جاءتنا ممتلئة بالضحكات

وخلفتنا ليلا نصارع دمعا وبكاء

!

الأقدار مكتوبة لا تتغير .. والواقع ثابت لا يتبدل

وحدها نفوسنا تقوى يوما وتضعف يوم

وحدها من تتطلع للنور خلف العتمة وتسعى إليه

أو تحجب عنها النور وتبقى تلعن الظلمات

!

فهل خلقنا لنكون طعما تلتهمه حكايات الليل؟

وهل خلقنا لنضيّق المفاهيم الواسعة؟ ونكبّل المشاعر الرحبة؟

ونحصر السعادة في زاوية موهومة؟

وهل خلقنا الله تعالى إلا لنذكر آلائه ونشكر نعما لا تعد ولا تحصى؟

..

أؤمن دائما أن هناك نجمة صغيرة تختبأ في كل مكان

في جيب أحلامي .. تحت وسادتي .. خلف دمعتي

في بقايا المرآة المكسورة .. وحتى بين ثياب الراحلين

!

فلا تغلق الباب مادام للخير مفتوحا

ولا تعلن الصياح فهناك طفل يتبسم

ولا تقتل الزهرة ، فلا زال الغصن أخضر